سورة الشعراء - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (206) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (209) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (210) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)} [الشّعراء: 26/ 205- 212].
هذه دعوة سريعة في هذه السورة إلى توبيخ قريش على استعجالهم عذاب الله تعالى في طلبهم سقوط السماء كسفا وغير ذلك، وقولهم لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم: أين ما تعدنا؟ أي أنه لا ينبغي لهم ذلك، لأن عذابنا بالمرصاد ينتظرهم إذا حان حينه. ثم خاطب الله تعالى محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم بإقامة الحجة عليهم في أن مدة الإرجاء والإمهال لا يعني منع نزول العذاب بعدها ووقوع النقمة، وذلك في هذه الآيات.
ومعناها: لو طال نزول العذاب وتمتّع كفار قريش بنعم الدنيا طوال سنين، ثم جاءهم العذاب الموعود به فجأة، فلا يجدي عنهم أي شيء، ولا ما كانوا فيه من النعيم، ولا يخفف من عذابهم، ولا يدفعه، أي النعيم عنهم، لأن مدة التمتع في الدنيا قليلة، مهما طالت، ومدة العذاب في الآخرة دائمة.
عن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن البصري في الطواف بالكعبة، فقال له:
عظني، فلم يزد على تلاوة هذه الآية، فقال ميمون: لقد وعظت فأبلغت.
ثم أبان الله تعالى قانونه العام القائم على العدل التام في تعذيب الناس، وهو أنه لا يعذّب قوما إلا بعد إنذار، ومفاده: وما أهلكنا من قوم في قرية أو بلد إلا بعد إرسالنا رسلا إليهم ينذرونهم من عذابنا على كفرهم، ويبشّرونهم بالنعيم إن آمنوا وأطاعوا، وذلك تذكرة لهم، وتنبيه إلى ما يجب عليهم القيام به، ولم نكن في أي حال ظالمين لهم في عقابهم، وإنما إهلاكهم في حال إصرارهم على الكفر، وعبادة غير الله، وتحدّي ما أنزل الله. إنه سبحانه وتعالى يخبرنا أنه لم يهلك أهل بلد أو قرية إلا بعد إرسال من ينذرهم عذاب الله تعالى، ذكرى لهم وتبصرة، وإقامة حجة، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النّساء: 4/ 165]. وفي هذا عدل استوجب أن ينفي الله عزّ وجلّ عن جهته الظلم، إذ هو مما لا يليق به.
ثم ردّ الله تعالى على المشركين في مكة وأمثالهم القائلين: إن هذا القرآن كهانة، فكذّبهم الله تعالى بأن هذا القرآن العظيم لم تتنزل به الشياطين كسائر ما ينزل على الكهنة، ولا يتيسّر لهم ولا يسهل ولا يتمكنون من ذلك، فهم عن سمع الملائكة التي تنزل بالوحي مرجومون بالشهب، معزولون عن استماع كلام أهل السماء، إن إنزال القرآن ممتنع على الشياطين لأسباب ثلاثة:
أولها: أنه ليس هو مبتغى لهم ولا مطلوبا منهم، لأن من سجاياهم الفساد وإضلال العباد، وفي القرآن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والقرآن هدى ونور، فلا تلتقي أهدافه مع مقاصد الشياطين.
الثاني: أنه لو تمكّنت الشياطين من القرآن لما استطاعوا تحمله، كما قال الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 59/ 21].
الثالث: لو استطاعت الشياطين حمل القرآن، لما تمكّنوا من الوصول إليه لأنهم معزولون عن سماع القرآن، ومطرودون من مقاعد السمع، لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا في مدة إنزال القرآن على رسوله، فلم يتمكّن أحد من الشياطين من استماع حرف واحد من القرآن، لئلا يشتبه الأمر ويضيع الهدف.
أصول الدعوة إلى الله تعالى:
لقد كان النجاح الباهر في اتّباع أساليب الدعوة الإسلامية منطويا على مقومات وأصول وآداب كثيرة، توّجت بالبدء بإثبات وجود الله تعالى وتوحيده، ثم التركيز أولا في ممارسة الدعوة على العشيرة الأقارب، والتّحبّب إلى الآخرين بإظهار الاحترام والتواضع لهم، وإعلان البراءة منهم ومن أعمالهم إن أصرّوا على المخالفة، ثم تفويض الأمر إلى الله تعالى والثقة به وبنصره وتأييده، والاعتماد عليه، ففي التوكل على الله تعالى بعد اتّخاذ الأسباب والقيام بالواجب نجاة وإيمان، وحبّ لله وإعظام، وإثبات أن الأمر كله لله، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويحقّق ما يتفق مع الحكمة، ومع علمه الشامل بمدى استعداد الإنسان لقبول الهداية، والخروج من دائرة الكفر والجحود، قال الله تعالى مبيّنا أصول الدعوة إليه:


{فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)} [الشّعراء: 26/ 213- 220].
أخرج ابن جرير الطبري عن ابن جريج قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} بدأ بأهل بيته وفصيلته، فشقّ ذلك على المسلمين، فأنزل الله: {اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)}.
وصّى الله عزّ وجلّ نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالثّبات على أمر الله تعالى، وأمره بأربعة أوامر:
الأول- اعبد الله وحده لا شريك له، وادع إلى توحيده وعبادته دون سواه، وإياك أن تعبد معه إلها آخر، فإن العبادة لا تكون إلا لله سبحانه، وإذا دعوت إلى عبادة غير الله سبحانه، فتكون من جملة المستحقّين للعذاب. وهذا الخطاب للنّبي صلّى اللّه عليه وسلّم يراد به خطاب أمته، وبما أنه قدوة المسلمين، بدأ الله تعالى بتوعّده إن دعا مع الله إلها آخر.
الثاني- أمر الله نبيّه بالبدء بإنذار أقاربه في العشيرة بأس الله وعذابه لمن أشرك به سواه، إذ العشيرة- وهي قرابة الرجل- مظنّة المقاربة والطواعية، فيكون البدء بهم أولى، ترفّعا عن المجاملة والمهادنة، ولأن تحصين الإنسان بقرابته وعنايته بهم أولى من غيرهم، وهذا التخصيص داخل في جملة الأمر العام بإنذار العالم. وقد حقّق النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم مقتضى هذا الأمر، فجمع عشيرته مرتين، فدعاهم إلى توحيد الله وأنذرهم ووعظهم، ونادى عمه العباس، وعمته صفية وفاطمة ابنته رضي الله عنهم قائلا فيما رواه الطبراني وغيره: «لا أغني عنكم من الله شيئا، إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». ثم نادى على جبل الصفا أو أبي قبيس: «يا بني عبد مناف، وا صباحاه»، فاجتمع إليه الناس من أهل مكة، فقال: «يا بني فلان، يا بني فلان»، حتى أتى على بطون قريش جميعا ثم قال لهم: «أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد الغارة عليكم، أكنتم مصدّقي؟» قالوا: نعم، فإنّا لم نجرّب عليك كذبا، فقال لهم: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال له أبو لهب لعنه الله: ألهذا جمعتنا؟ تبّا لك سائر اليوم، فنزلت: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} السورة.
الثالث- يأمرك الله أيها النّبي بخفض الجناح، أي لين الكلمة وبسط الوجه والبرّ، والرّفق بمن آمن بدعوتك، فذلك أطيب لقلوبهم. فإن عصاك أحد ممن أنذرتهم من عشيرتك وغيرهم، فقل: إني بريء من أعمالكم التي ستجازون عليها يوم القيامة.
الرابع- فوّض أمورك كلها أيها النّبي إلى الله القوي القاهر الغالب القادر على الانتقام من أعدائه، الرّحيم بأوليائه ونصرائه، الذي يراك حين تقوم للصلاة بالناس، ويرى أحوالك في العبادة متقلّبا من قائم إلى قاعد، وراكع إلى ساجد، فيما بين الساجدين أي المصلّين، وعبّر عن الصلاة بالسجود، لأن العبد أقرب ما يكون من ربّه، وهو ساجد. فقوله تعالى: {فِي السَّاجِدِينَ} أي في أهل الصلاة، أي صلاتك مع المصلّين. وقيل: أراد تقلّبك في المؤمنين، أو أنه أراد تقلّبك كتقلّب غيرك من الأنبياء.
إن الله ربّك هو السميع لأقوال عباده، العليم بأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم ونواياهم. وختم الله الآية بهذا: لإرشاد الناس وإخبارهم بأن الله سميع لكل ما يصدر عنهم، عليم بكل أفعالهم وأقوالهم.
تنزل الشياطين على الأفّاكين:
إن افتراءات المشركين ومزاعمهم بأن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم كاهن أو شاعر: واضحة لا تحتاج إلى إبطال أو دحض، ومع ذلك جاء القرآن الكريم مبيّنا أسطورة تنزل الشياطين على النّبي، لإزالة كل ما قد يعلق في الذهن من مزاعم وأباطيل، ولإحقاق الحقّ وإظهار نصاعته وقوّته في صراع الباطل، وبقائه أمرا ثابتا خالدا على ممرّ الزمان. وبالمناسبة أبان الله تعالى دور الشياطين في أخيلة الشعراء الذين يتّبعونهم ويستمعون لإيحاءاتهم، ما عدا أهل الإيمان والصلاح الذين يعتدلون في إنشاد أشعارهم وإبداع قصائدهم، فيبتعدون عن المبالغات، ويلتزمون سداد القول. قال الله تعالى في الرّدّ على افتراءات مشركي مكة وأمثالهم:


{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (223) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)} [الشّعراء: 26/ 221- 227].
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السّفهاء، فأنزل الله تعالى: {وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (224)} الآيات.
ومعنى الآيات يتضمن الرّد على افتراءين للمشركين حول القرآن والرسول، وهما الكهانة والشعر. فليس القرآن من جنس ما تتلقّاه الكهنة عن الشياطين، وليس هو من الشعر في شيء، كما أن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ليس كاهنا ولا شاعرا.
أما الرّد على الفرية الأولى فمضمونه: هل أخبركم خبرا حقيقيّا نافعا لكم، ألا وهو: من الذي تتنزل عليه الشياطين؟ إنه استفهام وتقرير. تتنزل الشياطين على كل أفّاك، أي كذّاب، آثم، فاجر فاسق، من الكهنة المتنبّئين، وهم الذين كانوا يتلقّون من الشيطان الكلمة الواحدة التي سمعت من السماء، فيخلطون معها مائة كذبة، فإذا صدقت تلك الكلمة، كانت سبب ضلالة لمن سمعها، إن الشياطين يلقون السمع المسموع من الملائكة، ويكذّبون فيما سمعوه، وأكثر الشياطين كاذبون فيما يوحون به إلى الكهنة، لأنهم يسمعونهم ما لم يسمعوا، فتكون أخبار الكهنة مبنية على الإفك والكذب. وهذا يقتضي نفي كلامهم عن كلام الله تعالى، فإن ما يقول الشياطين ليس هو كلام الله سبحانه.
وكذلك الشعراء يبتعد كلامهم عن كلام الله تعالى في القرآن، إذ قال بعض الكفرة في القرآن: إنه شعر مثل شعر الجاهلية.
إن الشعراء هم القادة إلى النار، يتّبعهم الضّالّون من الإنس والجنّ، المنحرفون عن جادة الحقّ والاستقامة، ويأخذ بأقوالهم المستحسنون لأشعارهم، المصاحبون لهم.
ألم تعلم أيها النّبي وكل سامع أن الشعراء يخوضون في كل فنّ من الكلام، ويتناقضون مع أنفسهم، إنهم يمدحون الشيء بعد أن ذمّوه، ويذمّون الشيء بعد أن مدحوه. وأكثر قولهم الكذب، فهم يقولون ما لا يفعلون، ويدّعون ما لم يكن حادثا، ويبالغون في الوصف، ويقولون ما مبعثه محض الخيال، البعيد عن الواقع.
ثم استثنى الله تعالى فئة من الشعراء هم صادقون، لاتّصافهم بصفات أربع وهي:
الإيمان، والعمل الصالح، والذّكر الكثير لله تعالى، والانتصار على الظلم والظالمين، وهؤلاء هم شعراء الإسلام كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة.
أما الإيمان: فهو التّصديق بالله ورسوله، وأما العمل الصالح: فهو الجهاد في سبيل الله ونصرة النّبي والإسلام، والتزام الفرائض والأحكام وأعمال الخير، وأما ذكر الله: فهو أنهم يذكرون الله في أشعارهم كثيرا، وذلك خلق لهم وعادة وعبادة، كما قال لبيد حين طلب منه شعر: «إن الله أبدلني بالشعر القرآن خيرا منه». وأما الانتصار: فهم يدافعون عن الإسلام والقرآن، ويهجون الظلمة الذين يعارضون عقيدة الإسلام. وهذا إشارة إلى ما قاله شعراء الإسلام من الشعر وغيره في قريش. ثم ختمت الآية بوعيد الظّلمة كفّار مكة، وتهديدهم، فإنهم سيرون عاقبة ظلمهم، وإعراضهم عن تدبّر هذه الآيات.
إن هذه الآية يدخل فيها كل شاعر في الإسلام يهجو أو يمدح بغير حقّ، ويقذف الناس ولا يرتدع عن كل قول دنيء، كما يدخل فيها في الاستثناء كل تقي من شعراء الإسلام يكثر من ذكر الله ويمسك عن كل ما يعاب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6